کتاب أدب الطفل الفلسطینی

الطفولة من أشد مراحل الحیاة خصوصیة وخصوبة وأهمیة، حیث یولد الإنسان صفحة بیضاء خالصة من العیوب، طاهرة لا دنس فیها و لا شائبة. إن الطفولة حیاة نقیة یحیاها الإنسان وهو کالفضاء الرحب الخالی من الشوائب، یتلقی ممن حوله ثمرات الحیاة وتزرع فی نفسه نوازع الخیر أو الشر دون اختیار منه ویستقبل بتلقائیة ما یقدم إلیه دون تمحیص. فلذلک یستحوذ أدب الأطفال علی عنایة الکثیرین من الباحثین والدارسین، ولا عجب فی ذلک إذ إن الأطفال هم الثروة الحقیقیة لکل مجتمع، وهم صانعو مستقبله، لذلک کانت مسألة غرس القیم والمبادئ الأخلاقیة فیهم، وتنمیة ذوقهم الفنی ووعیهم الجمالی أمرا مهما، خصوصا أن مرحلة الطفولة هی المرحلة الأکثر تأثیرا فی تکوین شخصیة الإنسان، ومما لا شک فیه أن أدب الأطفال هو إحدی الوسائل الناجعة لتعلیم الأطفال وتربیتهم وتنمیة أذواقهم الجمالیة وتحفیز خیالهم وقدراتهم الإبداعیة، فضلا عن کونه من وسائل التثقیف والترفیه والمتعة. ویعد الاهتمام بأدب الطفل الفلسطینی أمرا ملحا فی الوقت الراهن، نظرا لما یتعرض له الطفل الفلسطینی یومیا من محاولات لمحو هویته وفصله عن تراثه داخل الأراضی المحتلة، لذا یمثل هذا الأدب أداة نضالیة وتوعویة وتثقیفیة، تسعی لزیادة مهاراته اللغویة وخبراته الحیاتیة وإثراء خیاله وزرع المعانی الإنسانیة السامیة فیه، وتنمیة حسه القومی والوطنی. یتناول هذا الکتاب أدب الطفل الفلسطینی بمختلف مراحله، ونقصد بمصطلح أدب الطفل الفلسطینی باعتبار المرسل والمرسل إلیه، الأدب الذی یکتبه الأدباء الکبار للأطفال الفلسطینیین، ولکننا حصرنا المصطلح بالأدباء الفلسطینیین فی الأراضی المحتلة والشتات، ولم نوسع نطاق المصطلح خصوصا أن هناک الکثیر من الأدباء العرب الذین کتبوا للطفل الفلسطینی وعبروا عن همومه وأحلامه وتطلعاته کالشاعر سلیمان العیسی والقاص زکریا تامر ودلال حاتم ولیلی صایا سالم من سوریا، وأحمد نجیب ووحید دهشان ومحمد جمال عمرو وسکینة المرسی حسین من مصر وغیرهم. ومما لاشک فیه أن ما قدمه هولاء الأدباء یشکل رافدا مهما من روافد هذا الأدب. أما أدب الطفل الفلسطینی باعتبار الرسالة فهو أدب یعبر عن تطلعات الطفل الفلسطینی وأحلامه وهمومه، ویغرس فیه القیم التربویة، بما یتناسب مع مدرکاته اللغویة والعقلیة وفق کل مرحلة عمریة. یتألف هذا الکتاب من ثلاثة فصول، تناول الفصل الأول منه، تعریف مصطلح أدب الأطفال، والسمات التی تمیزه عن أدب الکبار، وخصائص الأجناس الأدبیة فیه، والسیر التاریخی لظهوره فی العالم، وفی الدول العربیة. وتناول الفصل الثانی نشأة أدب الطفل الفلسطینی وأسباب تأخر ظهوره واتجاهاته وأبرز الأعلام الذین ساهموا فی نشأته ووسائطه. أما الفصل الثالث فقد درسنا فیه نماذج من أدب الطفل الفلسطینی فی القصة والشعر والمسرح لعدد من الأدباء الفلسطینیین من داخل الأراضی المحتلة وخارجها. وفی الختام نشکر المولی عزّ وجلّ علی ما أنعم به علینا من إعداد هذا البحث، وحسبنا أنّنا بذلنا کلّ ما فی وسعنا وطاقتنا للوصول به إلی هذا المستوی، ولا ندّعی أنّنا وصلنا به إلی درجة الکمال، فالکمال لله وحده.